لماذا سقط التحقيق العدلي في جريمة المرفأ ومعه القضاء هذا السقوط؟

26-01-2023

لماذا سقط التحقيق العدلي في جريمة المرفأ ومعه القضاء هذا السقوط؟

إنفجار مرفأ بيروت

تحالف متحدون:

لماذا سقط التحقيق العدلي في جريمة المرفأ ومعه القضاء هذا السقوط؟

بتاريخ ٢٦ آب ٢٠٢٠ استهل محامو تحالف متحدون جهودهم بالأصالة في ملف التحقيق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت من خلال تقدّم المحامي رامي علّيق بشكوى مباشرة ضد ٢٨ مسؤولاً في الدولة اللبنانية سجّلت برقم ٢٠٢٠/١، جرى تحديدهم وفق المسؤوليات القانونية المترتبة على المناصب التي يشغلونها وبشكل مستقل تماماً عن أشخاصهم أو الجهات السياسية التي ينتمون أو يميلون إليها. الهدف الأساسي من الشكوى كان مقاربة القضية بشكل مهني لإبعاد الملف عن أي تسييس عبر الاستنسابية في ممارسة حق الادعاء والملاحقة والتي هي سمة أداء القضاء اللبناني بشكل عام، للأسف.

حينها وجدت هذه الاستنسابية ــ التي تضرب مفهوم العدالة في الصميم ــ طريقها إلى قرار قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا رفض تسجيل الشكوى المباشرة بما يخالف القانون رغم تدخّل رئيس مجلس القضاء الأعلى بشكل مباشر دون جدوى، ليسير على خطاه المحقق العدلي الأول فادي صوان والذي رفض تسجيلها بدوره أيضاً مما أزهق "حق التقاضي" المصان في الدستور والقانون وكل شرائع الدنيا، ليس لشيء سوى لترك الباب مفتوحاً أمام العبث بحق الادعاء والملاحقة تبعاً للتجاذبات السياسية التي علت بكل أسى فوق دماء ودموع الضحايا وذويهم.

فقد صحّ آنذاك القول المأثور، المكتوب مبيّن من عنوانه: بتاريخ ١ أيلول ٢٠٢٠ رفض مدعي عام التمييز غسان عويدات، بمعرض دفاع المحامي علّيق كفريق مدّعٍ في الملف عن حق التقاضي المتمثّل بالشكوى المباشرة، تبليغاً صادراً عن محكمة التمييز بردّه "مش فاضي اتبلغ"، فكيف إذا كان هذا القاضي هو النائب العام التمييزي المعني الأول بحماية الصالح العام في قضية اختزلت معاناة ومأساة كل اللبنانيين؟ علماً بأن بيت القصيد كان يكمن في مكان آخر: القاضي عويدات هو من بين المدعى عليهم، فماذا سيكون مصير الشكوى المباشرة لا بل التحقيق العدلي برمّته بعد ما قام به من ادعاء "باسم الشعب اللبناني" على عدد من صغار المرتكبين متجاهلا لا بل مجهّلا لكبارهم، أي المسؤولين الفعليين؟

يُذكر بأن جل ما تعرّض له المحامي علّيق وقتها بعد رفعه الصوت في باحة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رفضاً للظلم الواقع على أهل الضحايا وسائر المتضررين واللبنانيين، من ادعاء وملاحقة على أيدي القضاة غسان عويدات وزاهر حمادة وأسعد بيرم بحجة "تحقير القضاء" استمرّت مفاعيلها حتى اليوم، كان لشدة حرصه على عدم تسييس ملف جريمة المرفأ، ما جرى التعبير عنه في عنوان بيان تحالف متحدون بتاريخ ٢ أيلول ٢٠٢٠: "سقط التحقيق العدلي وسقط معه القضاء"!

بتاريخ ١٠ شباط ٢٠٢١ تابع محامو تحالف متحدون جهودهم من خلال تقدّمهم بشكوى مباشرة ثانية أمام المحقق العدلي، القاضي طارق البيطار هذه المرة، بوكالتهم عن المدّعي زياد ريشا الذي فقد والدته في الانفجار، مع اتخاذه كما المحامي عليق من قبل صفة الادعاء الشخصي مما حرّك الدعوى العامة ضد المدعى عليهم الـ ٢٨، إلا أن القاضي البيطار ــ الذي شكّل حالة من عودة الأمل بإنجاز التحقيق بعدل وموضوعية امتدّت على أرجاء الوطن بما فيها المناطق "الشيعية" ــ رضخ بكل أسف للضغوطات الممارسة عليه ليتمنّع بدوره هو الآخر عن تسجيل الشكوى المباشرة، رغم أن ذلك يعرِّض إجراءات التحقيق والاستجواب والتوقيف للبطلان قانوناً، سنداً لأحكام المادة ٧٣ من قانون أصول المحاكمات الجزائية بصفته يتبع إجراءات "قاضي التحقيق" في ما لم يرد بشأنه نص خاص بإجراءات "المحقق العدلي".

بتاريخي ٢٢ شباط و١٥ آذار ٢٠٢١ وما تلاهما حتى تاريخ ٣ كانون الثاني ٢٠٢٢، لم تتوقف مراجعات ومذكرات وطلبات محامي التحالف المتكررة والحثيثة إلى حد "الاستجداء" أمام المحقق العدلي البيطار كي يتخذ القرار بخصوص شكوى ريشا المباشرة وينقذ التحقيق العدلي من خطر التسييس: "نرجوك، خذ القرار بشأن الشكوى المباشرة ــ وهذا حق كرّسه الدستور والقانون للمدّعي المتخذ صفة الادعاء الشخصي والمتحمّل مسؤولية جرم الافتراء ــ كي يكون الادعاء على جميع المشتبه بهم وفق معايير موحّدة تؤمّن حسن سير العدالة، ثم يمكنك تبعاً للتحقيق منع المحاكمة عن كل من تثبت براءته، وبذلك تنزع أي ذريعة لاتهامك بتسييس الملف"، كانت مخاطبة المحامي علّيق له في مكتبه بحضور المحاميتين سينتيا حموي وسمانتا الحجار من تحالف متحدون، حيث كان جوابه، "سأفعل وسيكون القرار الأول بعد مزاولتي لعملي"، حيث كانت يده مكفوفة وقتها نتيجة دعوى ردّ القاضي.

لكن القاضي البيطار لم ينفّذ ما قاله رغم عودته إلى العمل مرتين ما بين قرارات البت بدعاوى الردّ، واكتفى بالتبرير، "صرت مدّعي على ١٦ من المدّعى عليهم في شكوى ريشا ورح كمّل"، وكان جواب محامي التحالف، "لا يمكنك هذا قانوناً حيث لم يدمّر القضاء سوى القرارات "غب الطلب" بدل تطبيق المبدأ القانوني من خلال وحدة المعايير. اللبنانيون كلهم أمل بك فلا تجعلهم يتفرّقون وهم فاقدون لهذا الأمل."

وبالفعل، تطوّرت الأحداث وكان العصيب منها والتي أوصلت أهل الضحايا ومعهم الشارع إلى الانقسام: قسم انتقل إلى التشكيك بالقاضي البيطار شكّل الشارع "الشيعي" أساساً له، حيث ترددت وما زالت عبارة "لماذا لم يدّعِ على الكل؟" ليدخله ساسته (المتورّطون بدورهم) في لعبة الاصطفاف السياسي، يقابله شارع آخر أدخله ساسته المتورطون أيضاً في الاصطفاف السياسي الخاص بهم. كلّ لسان ريشا وعلّيق من كل مناشدة ممكنة لأهالي الضحايا للاتحاد وللانضمام إلى الشكوى المباشرة لدرء التسييس لكن دون جدوى، عدا ما قام به المحامي علّيق من خطوات وصفت بـ "الجبارة" حين أوقف انتقال ملف التحقيق العدلي إلى قاض آخر كالقاضي حبيب مزهر، ليس انطلاقاُ من أي خلفية تجاه الأخير او سواه إطلاقاً لكن فقط بدافع التصدّي لما درج من "قضاء غب الطلب" خارج إعمال المبدأ القانوني والمعايير الموحّدة، ما كان السبب الأساس ليس في ضرب القضاء فحسب بل في السقوط المريع للبلد ككل.

في الختام، كثرت الروايات عما يحصل وكان من الملحّ الإشارة مجدداً إلى ما انتهجه محامو تحالف متحدون كفريق مدّعٍ بالأصالة والوكالة من استماتة في إبعاد ملف التحقيق العدلي في جريمة المرفأ عن أي تسييس، كما في جميع الملفات التي يتابعونها رغم ما يتعرّضون له من إقصاء وتشويه، مع الإشارة أيضاً إلى الآمال التي ما زالوا يعلّقونها على كثر من القضاة الذين لن يستقيم القضاء إلا على أيديهم وإن كانوا في الظل الآن. أما فيما يتعلّق بالمحقق العدلي فحريّ القول: انتفض فقط لعذابات أهالي الضحايا وكل اللبنانيين وانتشل نفسك دون إبطاء من مأزق التسييس الذي لن يترك للعدل والحقيقة مكاناً؛ إن كنت مصيباً في أمر يمكن أن يجمع اللبنانيين حولك فهو وقوفك بوجه "حراس هيكل مافيا الدولة العميقة" بلا لبس، الذين عاثوا في الأرض فساداً وقد آن الأوان للتخلص منهم مهما كان الثمن!

هل لديك أي استفسار قانوني؟
اضغط هنا للتواصل مع فريقنا القانوني

يسعدنا تقديم الدعم القانوني للمواطنين في لبنان والخارج. الرجاء ملء استفسارك القانوني أدناه.